في إطار احتفالات دولة الإمارات بمرور أربعين عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، استضافت مكتبة محمد بن راشد، النسخة الثانية من الملتقى الإماراتي الصيني، بالشراكة مع جمعية الإمارات لفن الخط العربي والزخرفة وسفارة جمهورية الصين الشعبية لدى الدولة، حيث أظهر الحدث مدى تقدير البلدين لفن الخط العربي والصيني.
حضر حفل افتتاح"معرض التبادل الخطي الصيني العربي المشترك لعام 2025 ومعرض جمال الحروف الصينية: تأملات الفلاسفة الصينيين القدامى وتعبير الخطاطين المعاصرين". وشارك في إلقاء الكلمات كل من نائب رئيس إدارة الصين للنشر الخارجي ليو داوي، والقنصل العام للصين في دبي أو بو تشيان، وسكرتير مكتب السكرتارية العامة للجمعية الصينية للثقافة والفنون ونائب رئيس منتدب لجمعية الخطاطين الصينيين لي شين، ومدير مكتبة محمد بن راشد في دبي محمد المر ، ورئيس جمعية الخط العربي والفن الزخرفي الإسلامي في الإمارات خالد الجارف. كما شارك أكثر من 60 فناناً من الصين والإمارات ومصر وسوريا وإيران والهند ودول أخرى، حيث قدّموا أعمالهم الفنية في المعرض. كما حضر الحدث ما يزيد على مائة شخص من قطاعات الإعلام والمعاهد البحثية وقطاع النشر والتعليم وأوساط أخرى.
وجمع الملتقى نخبة من الفنانين والمفكرين والدبلوماسيين من كلا البلدين، وشمل معارض وورش عمل وندوات ركزت على فنون الخط والزخرفة، مما وفر مساحة للتبادل الثقافي والتعاون الإبداعي.
أعرب ليو داوي عن التزام إدارة الصين للنشر الخارجي الدائم بتعزيز التبادل المزدوج بين الصين والدول العربية في مجالات اللغة والثقافة والأفكار، وبناء منصات فعالة لتعزيز التواصل والتفاهم بين الشعوب. وأشار إلى أن معرض الخط الحالي يُعد خطوة مهمة لتنفيذ المبادرة العالمية للحضارات والارتقاء بالحوار الحضاري بين الصين والعالم العربي. ولفت إلى أن الإدارة تطمح لتعزيز التعاون مع مؤسسات صينية وعربية عديدة في المستقبل، بهدف إنشاء مشاريع ثقافية متنوعة في الأشكال ومثرية في المضمون وتتمتع بتأثير واسع، مما يسهم في رفع مستوى الحوار الحضاري الصيني العربي إلى مرحلة أكثر تقدماً، وإضافة دفعة روحية قوية لبناء مجتمع مصير مشترك بين الصين والدول العربية، فضلاً عن الإسهام في تعميق التفاعل الثقافي والتبادل الحضاري بين دول الجنوب العالمي.
صرّحت أو بو تشيان أنه في الفصل الجديد لبناء مبادرة "الحزام والطريق" المشترك، أصبح التبادل الإنساني جسر وصل مهمًا يربط قلوب شعبي الصين والإمارات العربية المتحدة. وأشارت إلى أن معرض الخط الحالي يُعد محاولة جريئة وممارسة حية لفهم روح طريق الحرير بعمق، وتعزيز التفاعل الحضاري بين الصين والعالم العربي. ومن خلال تبادل المهارات وعرض الأعمال الفنية وغيرها من الوسائل، سيتمكن الفنانون من توليد الإلهام، كما سيتاح لسكان دبي فرصة الاستمتاع عن قرب بجمال الخط الصيني العربي، مما يُحيي تيار التفاعل الحضاري ويمنحه زخمًا مستمرًا.
قال محمد أحمد المر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم: «تأتي استضافتنا للنسخة الثانية من الملتقى الإماراتي الصيني في إطار الاحتفالات بمرور أربعين عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين دولتينا، لتؤكد على التزام دولة الإمارات بتعزيز الروابط الثقافية والفكرية مع جمهورية الصين الشعبية».
وتابع: «حرصنا منذ افتتاح المكتبة على أن تكون منصة نابضة لتبادل الثقافات والاستمتاع بكافة أشكال الفنون» مضيفاً: «إن الثقافة العربية والثقافة الصينية تلتقيان في العديد من النقاط المشتركة، إذ لكل منهما امتداد تاريخي عميق يمتد لآلاف السنين، ما يضفي على الفكر والفن عمقاً حضارياً فريداً» وأردف: «صحيح أننا لم ننفتح بشكل كبير على الصين إلا خلال العقدين أو الثلاثة الأخيرة، حيث كانت معظم رحلاتنا الثقافية والفكرية موجهة نحو العالم الغربي، خصوصاً أوروبا، إلا أن اللحظة الصينية الكبرى التي بدأت قبل نحو 30 عاماً والتي شهدت إنجازات مبهرة في مجالات التكنولوجيا والصناعة والإبداع، دفعت العالم لإعادة النظر في الصين كمصدر إلهام حضاري وثقافي».
وأوضح «عبر زياراتنا للمدن الصينية واطلاعنا على تاريخها الغني، اكتشفنا ثروة فنية هائلة ووجدنا الكثير من أوجه التشابه مع الثقافة العربية، لاسيما في مجال فن الخط، فكما يبرز العرب والمسلمون في فنون الخط العربي، نجد أيضاً أن الصينيين يعتبرون الخط فناً راقياً له رمزيته ومكانته وقد تطوّر لديهم بشكل ملحوظ نتيجة لاتساع أسواقهم الثقافية وتجذر هذا الفن في وجدانهم» وتابع: «هذا التقدير المشترك لفن الخط يسهم في التقارب بين الثقافتين والشعبين وكلما تعزز التعاون بين دولة الإمارات والصين، زاد فهمنا المتبادل وتقديرنا لثقافة الآخر وفتح ذلك آفاقاً جديدة للاستفادة من المنجزات الفنية في كلا البلدين».
من جهته، قال خالد الجلاف، رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات لفن الخط العربي والزخرفة: «في ظل الرؤية الإماراتية للنمو الاقتصادي وبناء شراكات فكرية وثقافية بين مختلف الشعوب وتحديداً التأكيد على العلاقات الوطيدة بين الإمارات والصين، تأتي هذه النسخة لتُبرز الثقافة والفنون بوصفها أدوات رئيسية لتعزيز الحوار الحضاري والتواصل الإنساني»، مضيفاً: «إن العلاقات الثقافية مع الصين تشكّل امتداداً حيوياً لاستراتيجية الدولة التي تقوم على توطيد جسور التفاهم مع الشعوب، وتعزيز قيم التسامح والانفتاح».
من جانبها، قالت أو بوكيان، القنصل العام لجمهورية الصين الشعبية في دبي: «الخط الصيني هو جوهرة حضارة عمرها خمسة آلاف سنة، باستخدام الحبر والفرشاة كوسيط، يدمج هذا الفن بين الفلسفة الصينية والجماليات والروح الإنسانية، حيث يحمل كل خط أفقي وعمودي ثقل التاريخ وترسم كل حركة مائلة أو منحنية نبض العصر، أما الإمارات هذه الأرض التي تزاوج بين الأصالة والحداثة، فهي تشتهر أيضاً بفن الخط العربي المتفرد، تلك الخطوط المتدفقة بانسيابية ليست مجرد نقل للحروف، بل هي تكثيف للإيمان والحكمة».
ويشهد الملتقى الإماراتي الصيني، سلسلة من الفعاليات التي تعكس عمق التعاون الثقافي بين البلدين، وتشمل معارض فنية، ورش عمل وندوات ثقافية، تهدف إلى تعزيز التبادل المعرفي والفني وتقديم فرص للمشاركين لاستكشاف جماليات الخط العربي وفن الزخرفة.
اتفاقيات ومبادرات
يذكر أن العلاقات بين الإمارات والصين الشعبية تشكل اليوم نموذجاً للتعاون متعدد الأوجه، حيث شهدت منذ تأسيسها قبل أربعة عقود تطوراً ملحوظاً في مختلف المجالات، لا سيما في الجوانب الثقافية والفنية وقد حرص الجانبان على ترسيخ هذا التعاون من خلال اتفاقيات ومبادرات مشتركة تعكس التوجه نحو شراكة استراتيجية شاملة، تقوم على الاحترام المتبادل والانفتاح الحضاري.
وفي السنوات الأخيرة، برز التبادل الثقافي كأحد أبرز روافد التقارب بين البلدين، من خلال تنظيم معارض فنية ومهرجانات أدبية وفعاليات تراثية تسهم في تعزيز التواصل الإنساني وتقديم نماذج ملهمة للتلاقي بين الحضارات وتحتل الفنون الإنسانية، مثل الخط العربي والصيني، مكانة خاصة في هذا المسار، نظراً لما تحمله من رمزية تاريخية وروح مشتركة تعبّر عن عمق التجربة الإنسانية ويأتي هذا الحراك الثقافي في إطار رؤية دولة الإمارات لتعزيز الدبلوماسية الثقافية كأداة للتأثير الإيجابي وبناء جسور التواصل مع الشعوب وترسيخ مكانتها كمركز عالمي للحوار والانفتاح.
ترجمة
اختتم محمد المر بقوله: «من المهم في هذا السياق أن نولي اهتماماً بترجمة الكتب الصينية والكتب المكتوبة بلغات أوروبية إلى العربية، لفتح آفاق أوسع أمام المثقفين العرب ومحبي فن الخط، كما نأمل أن تسهم مؤسستنا في دعم ترجمة المؤلفات العربية في هذا الفن إلى اللغة الصينية، بما يعزز التفاهم الثقافي والفني بين الشعبين».
يمثل هذا الملتقى تجسيداً لرؤية الإمارات في الدبلوماسية الثقافية، حيث تستخدم الفن والتراث لبناء جسور تواصل عالمية مستدامة. ومع استمرار البلدين في تنظيم الفعاليات الثقافية والمهرجانات الأدبية، تؤكد هذه المبادرات على أهمية التبادل الثقافي في تقوية العلاقات الدولية.